الذهب هو الجسر الذي يربط بين الحاضر والمستقبل الاقتصادي.
شهد سوق الذهب ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام الجاري، مدفوعاً بمزيج من التوترات الجيوسياسية، ضعف الدولار الأميركي، وتوقعات خفض أسعار الفائدة من Federal Reserve (الفيدرالي) بقيادة Jerome Powell. وفي الفترة الأخيرة، مؤشرات مثل وصول السعر إلى ما فوق 4,000 دولار للأونصة للمرة الأولى – بحسب تقرير Gold Council – قد انعكست في حركة تصحيحية نحو نحو 3,900 دولار تقريباً، ما يعكس مزيجاً من الزخم الإيجابي والمخاطر المحتملة. كما أشار استطلاع أجرته Reuters إلى أن توقعات لخفض إضافي من الفيدرالي العام الجاري تدعم الذهب كأصول ملاذ.
في هذا السياق، نقدم تحليلًا موجهًا للمستثمرين والمهتمين بأسعار الذهب، وفق منهجية موضوعية ومحايدة بمعيار DHBNA، مقسّمًا إلى ثلاثة محاور تحليلية، تحليل فني، توقعات مستقبلية، وخلاصة.
أخبار ومؤشرات عالمية
- التوترات الجيوسياسية والعالمية: تمثّلت في تهديدات متجددة من الولايات المتحدة تجاه الصين بشأن الرسوم التجارية، وتراجع الثقة في السياسات الاقتصادية لبعض الدول، ما أعاد النفَس إلى الذهب باعتباره ملاذاً آمناً ضمن الاقتصاد العالمي.
- حالة أسواق الملاذ والمخاطر: ارتفعت الطلبات على المعدن الأصفر مع دخول المستثمرين الساعين للحماية من التقلبات، كما لفت تقرير لـHSBC الانتباه إلى أن الطلب على الذهب يتغذّى من انخفاض الثقة في الدولار الأميركي وتزايد العجز المالي في الاقتصادات الكبرى.
- مؤشرات قياس المخاطر: هبوط حاد للذهب يوم 22 أكتوبر بدّعاه Reuters “أكبر انخفاض ليوم واحد منذ سنوات” يعكس أن الزخم ارتفع بسرعة لكن تأرجح المخاطر بالمثل.
بناءً على ذلك، يتضح أن الجانب العالمي من الأخبار والمؤشرات يدعم بشكل عام توجه الذهب صعوداً لكن ليس دون تحفّظ، إذ وَرَدت إشارات تصحيح لاحقة.
أسواق السلع والعملات المرتبطة بالذهب
- الدولار الأميركي وعوائد السندات: تراجع الدولار يُعزز جاذبية الذهب (غير المُدرّ لعوائد)، بينما عوائد السندات الأمريكية تلعب دوراً عكسياً. على سبيل المثال، هبوط السعر جاء مع ضعف الدولار وانتظار البيانات الاقتصادية الأميركية.
- السلع الأخرى – النفط والفضة: على سبيل المثال، هبطت الفضة بنسبة كبيرة كما ذكر موقع goldprice.org، مما يعكس أن الزخم التصاعدي في السلع الثمينة يتعرّض لضغوط. انخفاض بسيط في أسعار النفط أو تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي قد يقلّص الطلب المرتبط بالذهب كمعدن صناعي أو استثماري أيضاً.
- ارتباط الذهب بالسلع والاقتصاد الكلي: تقرير Economies.com في 27 أكتوبر أشار إلى أن “الضغط السلبي” على الذهب ينبع من تداوله دون المتوسط المتحرك 50، مما يشير إلى أن تحركه ضمن إطار سلعي/تقني أيضا.
بناءً على ما سبق، فإن تحولات العملة والسلع المحيطة تلعب دوراً جوهرياً في تحديد مدى جاذبية الذهب، سواء كتحوط أو كأصل مرتبط بتوقعات الأسواق والنمو والطلب.
تدخلات البنوك المركزية والسياسة النقدية
- سياسة الفيدرالي وتوقعات خفض الفائدة: استطلاع أجراه Reuters أشار إلى أن غالبية الاقتصاديين (115 من 117) يتوقعون خفضاً لأسعار الفائدة إلى 3.75 – 4.00% في اجتماع الفيدرالي المزمع، مع احتمال خفض إضافي في ديسمبر. خفض الفائدة يسهّل تكلفة الفرصة البديلة للذهب ويعزّز دوره كأصل غير مُدرّ لعوائد.
- بيانات وبحث من بنوك استثمار كبرى: مثلاً، JPMorgan Chase & Co. رفع توقعاته إلى متوسط 5,055 دولار للأونصة في الربع الرابع من 2026، مستنداً إلى افتراضات بأن الطلب من البنوك المركزية والمستثمرين المؤسسيين سيبلغ نحو 566 طناً ربعياً. كذلك، HSBC عدّلت توقعاتها للأونصة إلى نحو 3,950 دولار لعام 2026.
- دور الشراء الرسمي والتدخلات: الطلب الرسمي من البنوك المركزية أصبح عاملاً يدعم الضغط الصاعد على الذهب، بحسب تحليل Goldman Sachs الذي رأى أن حركة الذهب “مبنية على أساسيات وليس على فقاعة”.
إجمالاً، تؤشر سياسة البنوك المركزية إلى بيئة ميسّرة نسبياً من حيث أسعار الفائدة، ما يعزز ميل الذهب كأصل بديل، رغم أن توقيت وخفض الفائدة بدقة لا يزال محل متابعة دقيقة.
تحليل فني مختصر
- مستوى الدعم الرئيسي يُحدد عند نحو 3,865 – 3,935 دولار للأونصة، استناداً إلى تحليل أسبوعي يشير إلى احتمال اختبار الدعم حول 3,935 دولار.
- مستوى المقاومة الأقوى يقع حول 4,100 – 4,150 دولار، وقد تم اختباره مسبقاً عند ما يقارب 4,130 دولار بناءً على Economies.com.
- الاتجاه قصير-الأجل: يظهر تصحيحاً بعد موجة صعود قوية، مما قد يؤدي إلى تذبذب وربما اختبار الدعم المذكور.
- الاتجاه متوسط-الأجل: ما زال صاعداً من حيث الزخم الأساسي، لكن مع ضرورة مراقبة ما إذا كان سيخترق المقاومة أعلاه أو يستأنف التصحيح.
التوقعات المستقبلية
- في الفترة القصيرة (الأيام إلى الأسابيع القليلة القادمة)، قد يستمر الذهب في نطاق تقلب بين الدعم عند ~3,900 دولار والمقاومة ~4,100 دولار، مع ميل طفيف نحو الهبوط التصحيحي ما لم تظهر بيانات مفاجئة تدعم المعدن.
- في الفترة المتوسطة (عدة أشهر إلى نهاية 2026)، إذا طبّق الفيدرالي تخفيضات فعلية لأسعار الفائدة كما يتوقع السوق، وزاد الطلب من البنوك المركزية، فقد يشهد الذهب تحركاً صاعداً يتجاوز 4,000 دولار، وربما الوصول إلى نطاق 4,500 – 5,000 دولار كما تطرّحت توقعات JPMorgan وBofA.
- من جهة أخرى، إذا جَدّدت البنوك المركزية أو الفيدرالي رفع الفائدة أو تباطأ الطلب العالمي على المعدن، فقد يُعيد الذهب تصحيحاً أعمق نحو مستويات الدعم المنخفضة.
الخلاصة
في ضوء تحليلنا الموضوعي، يظهر أن الذهب عند سعر ~3,926.53 دولار للأونصة (بتاريخ 28 أكتوبر 2025) يتعامل مع مزيج واضح من عوامل داعمة ومحدّدة: بيئة جيوسياسية مضطربة، سياسة نقدية متجهة نحو التيسير، وارتباط وثيق بحركة الدولار والأسواق العالمية. من الناحية الفنية، يبدو أنه في مرحلة تصحيح مؤقت داخل اتجاه صاعد أوسع. لا توجد توصية للتداول أو الاستثمار – بل نُقدّم هذا العرض تحليلياً لتمكين المستثمر من تكوين رؤية متوازنة حول موقع الذهب في محفظته.
يبقى التوجّه العام يميل إلى أن الذهب يحتفظ بإمكانات ارتفاع متوسطة الأجل، لكن مع ضرورة الانتباه إلى مستويات الدعم والمقاومة وتحولات السياسات النقدية والاقتصادية.
نأمل أن يكون هذا التحليل مفيداً في فهم ديناميكيات سعر الذهب الحالية والمستقبلية.
اكتشاف المزيد من Dhbna
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

