الذهب ليس مجرد معدن، بل هو سر الثراء العابر للزمن.
في يوم 23 أكتوبر 2025، يتداول سعر الأونصة من الذهب عند حوالي 4,126.76 دولاراً، في ظل موجة من التقلبات التي طالت السوق نتيجة لتداخل عوامل اقتصادية وسياسية. فالأجواء العالمية تشهد ارتفاعاً في المخاطر الجيوسياسية وإشارات إلى تعطّل محتمل في بعض أجهزة السياسة المالية والميزانيات الحكومية، ومنها مخاوف مرتبطة بإغلاق حكومي في الولايات المتحدة، مما دفع بعض المستثمرين إلى البحث عن الملاذات الآمنة. في الوقت نفسه، تشكّل توقعات تحركات الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة عاملاً رئيسياً في تحرك سعر الذهب، كما أن تحركات السلع والعملات والسلع المرتبطة بالذهب مثل الفضة والنفط والدولار الأمريكي أسهمت في هذه الحركة.
منهجية هذا التحليل تعتمد إطار “DHBNA” (وثيقـة – تحليل – تفصيل) من خلال توثيق الجهات والمصادر (مثل: HSBC، ANZ، Goldman Sachs، World Gold Council، إعلام مثل Reuters وBloomberg) وتحليل ثلاث محاور متوازنة، ثم تحليل فني، تليها توقعات نهائية، وخلاصة محايدة.
أخبار ومؤشرات عالمية
في هذا المحور، نركّز على أبرز التطورات الاقتصادية العالمية والسياسية التي أثّرت اليوم على سعر الذهب.
- التوترات الجيوسياسية: شهدت الأسواق زيادة في المخاطر المرتبطة بالصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، إلى جانب توترات بين الولايات المتحدة والصين في ملف التجارة، الأمر الذي دفع بعض المستثمرين إلى توجيه التدفقات نحو الأصول “الآمنة” مثل الذهب.
- الإغلاق الحكومي الأمريكي: تشير تقارير إلى أن احتمال توقف عمل الحكومة الأمريكية أو تأخّر الميزانيات قد يرفع عامل الخوف في السوق ويضعف الثقة في الدولار الأمريكي، وهو ما بدّد الطلب على الأصول المرتبطة بالدولار، ما يعني دفعة محتملة للذهب كملاذ.
- التصحيح الحاد في السعر: لقد سجّل سعر الذهب حركة هبوطية قوية في الجلسات الأخيرة، بعد موجة صعود حادة. وفق تحليلات من ANZ Research، هذه الحركة ناتجة عن جني أرباح عقب ارتفاعات قياسية، بينما عدّها بعض المحللين “تصحيحاً صحّياً” بعد صعود سريع.
- رفع التوقعات من بنوك ومؤسسات تحليلية: مثلاً، HSBC رفعت توقعاتها لمتوسط سعر الذهب لعام 2025 بسبب الطلب المرتفع على الملاذات الآمنة نتيجة المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.
باختصار، يشير المحور العالمي إلى أن الذهب يستفيد من حالة عدم اليقين، لكن في الوقت ذاته يخضع لضغوط تصحيحية بعد تحركات صاعدة قوية.
أسواق السلع والعملات والتغيرات في العوائد الأمريكية
هذا المحور يعالج كيفية تفاعل الذهب مع السلع الأخرى (النفط، الفضة)، العملات (الدولار) والعوائد الأمريكية.
- العلاقة مع الدولار الأمريكي: بما أن الذهب يُسعّر غالباً بالدولار، فإن ضعف الدولار يجعل الذهب أكثر جاذبية لحائزي العملات الأخرى. في تحليلات حديثة تم التأكيد على أن انخفاض الدولار ساعد صعود الذهب.
- الفضة والسلع الأخرى: شهدت الفضة أيضاً ارتفاعات، وهو ما يدل على أن الطلب على المعادن الثمينة يشمل نطاقاً أوسع، لكن بعض التصحيحات في الفضة تعكس تحوّلاً في الاستثمار نحو الذهب كملاذ مباشر.
- النفط والسلع الأساسية: ارتفاعات أو اضطرابات في سوق النفط قد تزيد المخاطر التضخمية، ما يجعل الذهب أكثر جاذبية كتحوّط ضد التضخم. نفس الوقت، انخفاضات في بعض السلع قد تخفّف من الضغوط التضخمية، ما يحدّ من الدافع الصاعد للذهب. هذا التوازن يجعل تحرك الذهب مرتبطاً بتطورات السلع.
- العوائد الأمريكية: العوائد على سندات الخزانة الأمريكية (مثل العائد على 10 سنوات) تلعب دوراً هاماً؛ فعندما ترتفع العوائد الفعلية، فإن تكلفة الفرصة لحيازة الذهب (الذي لا يعطي عائداً) ترتفع، مما قد يضغط على سعر الذهب. في المقابل، عندما تتراجع العوائد أو يتوقّع السوق خفض الفائدة، فإن ذلك يدعم الذهب.
إذًا، أسواق السلع والعملات والعوائد تعمل كبيئة خلفية لأسعار الذهب: ضعف الدولار، توقعات خفض الفائدة، ارتفاع بعض السلع والدولار الضعيف، كل ذلك يُعد داعماً، لكن العكس أيضاً يُمكن أن يخلق ضغطاً لتصحيح السعر.
تدخلات البنوك المركزية وسياسات الفيدرالي
في هذا المحور ننظر إلى سياسات البنوك المركزية وتأثيرها على الذهب.
- دور الفيدرالي: يُعدّ Jerome Powell، رئيس الفيدرالي الأمريكي، الشخصية الرئيسية في تحديد المسار المستقبلي للفائدة، وبالتالي لتكلفة الفرصة البديلة للذهب.
- توقعات الفائدة: السوق يتوقّع خفضاً في أسعار الفائدة من الفيدرالي، وقد حفز هذا التوقع تحرك الذهب.
- شراء الذهب من البنوك المركزية: بحسب تقارير World Gold Council، البنوك المركزية لا تزال تزيد من احتياطياتها من الذهب كجزء من تنويع الاحتياطيات، وهو عامل داعم للطلب طويل الأجل.
- تأثّر السياسات النقدية: في بيئة الفائدة المنخفضة أو المتوقعة للكخفض، يصبح الذهب أصولاً أكثر جاذبية. على سبيل المثال، تحليلات تشير إلى أن الصعود فوق 4,000 دولار منصبّ إلى توقعات خفض الفائدة وبيئة ضعف الدولار.
التحليل الفني المختصر
حالياً، وبالنظر إلى سعر الذهب عند ~4,126.76 دولار للأونصة، يمكن تحديد بعض مستويات الدعم والمقاومة والاتجاه في الأجل القصير والمتوسط:
- مقاومة: قرب مستوى ~4,140-4,200 دولار تمثل حاجزاً نفسياً وتقنياً.
- دعم: أول مستوى مهم للدعم يأتي عند نحو ~4,000 دولار.
- الاتجاه القصير الأجل: بعد تصحيح حاد شهدناه، الذهب قد يكون في وضع ترقّب قبل قرار جديد.
- الاتجاه المتوسط الأجل: الاتجاه يبقى صاعداً نظرياً بسبب العوامل الأساسية مثل توقعات الفائدة وشراء البنوك المركزية.
التوقعات المستقبلية
استناداً إلى المعطيات الحالية، دون توجيه استثماري مباشر، يمكن توقع ما يلي:
- في الأجل القريب: احتمال بقاء سعر الذهب ضمن نطاق تقارب ~4,000-4,200 دولار.
- في الأجل المتوسط: إذا استمرت توقعات خفض الفائدة من الفيدرالي، وتوسّعت مشتريات البنوك المركزية للذهب، فقد يستأنف الذهب مساره الصاعد.
- في حالة عكس البيانات الاقتصادية الأميركية أو ارتفاع العوائد أو رفع الفائدة بدلاً من خفضها، فقد يتعرض الذهب لضغوط.
الخلاصة
في ختام هذا التحليل، نرى أن سعر الذهب عند ~4,126.76 دولاراً في 23 أكتوبر 2025 يعكس تفاعل عدّة عوامل: من جهة عالمية حيث تتعاظم المخاطر الجيوسياسية وتحوّل المستثمرين إلى الذهب كملاذ، ومن جهة أسواق السلع والعملات حيث ضعف الدولار وتوقعات خفض الفائدة تدعم المعدن، ومن جهة ثالثة تدخلات البنوك المركزية وسياسات الفيدرالي التي تشكِّل عامل دعم رئيسياً. فنياً، يبدو أن الذهب في مرحلة تصحيح أو تراكم، مع احتمالية اتجاهه نحو نطاق 4,000-4,200 دولار في الأجل القصير، واتجاه صاعد محتمل في الأجل المتوسط إذا استمرت البيئة الداعمة.
بالتالي، لدى المستثمر أو المهتم بسعر الذهب الآن رؤية متوازنة: لا يبدو أن الصعود انتهى، لكن ليس بمأمن من تصحيحات، والبيئة تحتاج إلى مراقبة دؤوبة للسياسات الأميركية والبيانات الاقتصادية والتوترات العالمية.
اكتشاف المزيد من Dhbna
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

