الذهب هو الحليف الأقوى في لحظات عدم اليقين.
في 29 أكتوبر 2025، يقف سعر الذهب عند نحو 4,018.02 دولار للأونصة، في ظل تقلبات ملحوظة في الأسواق العالمية. جاء هذا الأداء متأثرًا بمجموعة من العوامل: التوترات الجيوسياسية المتجدّدة، التوقعات المتضاربة بشأن سياسات الفيدرالي الأمريكي بقيادة جيروم باول، وحالة عدم اليقين في أسواق العملات والسلع.
خلال الأسابيع الماضية، شهد الذهب موجة صعود حادة، تبعتها عمليات جني أرباح وتصحيح جزئي، في وقت تتجه الأنظار نحو اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقبل الذي قد يُحدد مسار الفائدة. كما أثرت مؤشرات مثل العوائد الأمريكية على الأفق الزمني للمعدن الأصفر.
في هذا السياق، سنقدّم تحليلاً موزونًا عبر ثلاث محاور: الأوضاع العالمية والمخاطر الجيوسياسية، تفاعلات أسواق السلع والعملات، وسياسات البنوك المركزية، ثم نضيف لمحة فنية وتوقعات مستقبلية، وختامًا خلاصة حيادية.
الأخبار والمؤشرات العالمية
التوترات الجيوسياسية والسلوك كملاذ آمن
يُنظر إلى الذهب غالبًا كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين. في 2025، عادت التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وتهديدات بفرض رسوم جمركية جديدة، ما أعاد جزءًا من زخم الطلب على الذهب. على سبيل المثال، توقعات تخفيض الفائدة من الفيدرالي ارتبطت بالتوترات التجارية، مما عزّز الطلب على الأصول الآمنة. (Reuters)
من جهة أخرى، بعض الضغوط الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأزمات الطاقة ساهمت في رفع المخاطر العالمية، مما يعزز شهية المستثمرين لاقتناء الذهب كصورة لحفظ القيمة.
المخاطر السياسية والمالية في الولايات المتحدة
أحد المكونات المهمة التي تُراقبها الأسواق هو إمكانية حدوث إغلاق حكومي في الولايات المتحدة، أو تأزم الميزانية، وهو ما يُثير القلق بشأن النمو والثقة في الأصول المالية، وقد يدفع بسيولة إلى الأدوات الآمنة مثل الذهب.
كذلك، بروز مخاوف بشأن الدين السيادي الأمريكي أو التوترات السياسية المحلية قد يفاقم هذا الوضع، باعتبار أن المستثمرين قد يفضلون التحوّط عبر الذهب في هذه الحالات.
المؤشرات الاقتصادية الكبرى وتقارير التضخم والتوظيف
تقارير التضخم في الولايات المتحدة، وبيانات سوق العمل تُعدّ مؤشرات مركزية تُراقبها الأسواق. أي تسارع مفاجئ في التضخم أو ضعف غير متوقع في التوظيف قد يدفع الفيدرالي إلى تعديل موقفه، مما ينعكس بسرعة في أسعار الأصول.
أيضًا، مؤشرات النشاط الصناعي العالمي (الصين، أوروبا) تؤثر في نظرة المستثمرين إلى الاقتصاد العالمي، ومن ثم على الطلب على الذهب كأصل بديل أو تحوّطي.
أسواق السلع والعملات والعارضات المرتبطة
الدولار الأمريكي وعلاقته بالذهب
العلاقة التقليدية بين الدولار والذهب هي علاقة عكسية: إذا ارتفع الدولار مقابل العملات الأخرى، يُصبح الذهب أكثر تكلفة لحائزي العملات الأجنبية، مما قد يضغط على الطلب، والعكس صحيح. في الآونة الأخيرة، شهد الدولار بعض التعزيزات بفعل بيانات قوية أو توقعات معدلة للفائدة، ما قد يُثبط جزءًا من الزخم الصاعد في الذهب. (Bloomberg)
لكن في الحالة الراهنة، يبدو أن الذهب يتلقى دعمًا من ضعف فعلي أو متوقع في الدولار، خاصة إذا توقع المستثمرون أن الفيدرالي قد يبدأ خفض الفائدة قريبًا.
السلع الأساسية (النفط، الفضة، المعادن الصناعية)
ارتفاع أسعار الطاقة والنفط نتيجة التوترات الجيوسياسية أو قيود العرض يمكن أن يدعم الذهب من زاوية التضخم. إذا ارتفعت تكاليف الطاقة، يشتدّ الضغط التضخمي ويُعزز الميل إلى الأصول الثابتة.
الفضة، كونها معدناً مرتبطًا بالذهب، غالبًا ما تشارك في الاتجاهات الصاعدة، لكنها أكثر تقلبًا بسبب الطلب الصناعي. في 2025، تأثرت الفضة بتصحيحات حادة بعد الوصول إلى ارتفاعات كبيرة، ما انعكس بضعف مؤقت في الزخم العام للمعادن الثمينة.
العوائد الأمريكية (السندات الحكومية)
العوائد على السندات الحكومية الأمريكية تلعب دورًا محوريًا. فارتفاع العوائد يزيد تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب (الذي لا يعطي عوائد نقدية)، مما قد يضغط على الطلب.
من جهة أخرى، إذا توقع المستثمرون أن الفيدرالي سيخفض الفائدة مستقبلاً، فقد ينخفض العائد الحقيقي، مما يعيد الزخم للذهب. وفق تحليل من Reuters، يُقدر أن الذهب يواجه ضغطًا كبيرًا فقط إذا فاقت العوائد الحقيقية مستوى 2.5٪ تقريبًا في الولايات المتحدة.
في السياق الحالي، يبدو أن العوائد الحقيقية لا تزال منخفضة أو حتى سلبية في الكثير من أوقات السوق، ما يتيح مجالًا لدعم الذهب.
تدخل البنوك المركزية وسياسات الفيدرالي
سياسات الاحتياطي الفيدرالي وتوقعات الفائدة
الأضواء تتركّز حاليًا على اجتماع الفيدرالي القادم، وتوقّعات خفض أو تثبيت أسعار الفائدة. إذا أشار باول إلى إمكانية خفض قريب أو تبنّي لهجة متساهلة، قد يُحفّز ذلك تدفقات إضافية نحو الذهب.
وبالعكس، إذا بدا أن الفيدرالي سيركّز على مكافحة التضخم أو الحفاظ على أسعار ثابتة أطول من المتوقع، فقد يخفف ذلك من جاذبية المعدن.
شراء الذهب من قبل البنوك المركزية
أحد المحركات القوية في 2025 هو الطلب الرسمي من البنوك المركزية، لا سيما في الاقتصادات الناشئة. يُلاحظ أن عددًا منها يواصل زيادة احتياطياته من الذهب كوسيلة تنويع عن الدولار. (World Gold Council)
مقارنة السياسات النقدية عالميًا
سياسات البنوك المركزية الكبرى مثل بنك اليابان وبنك إنجلترا تؤثر على معدلات الفائدة العالمية، تكلفة الاقتراض، وتحركات السيولة الدولية. إذا استمر التباين في السياسات النقدية بين الولايات المتحدة وغيره، فقد يُوجّه رؤوس الأموال باتجاه الذهب كتحوط مقابل المخاطر.
التحليل الفني
مستويات الدعم المحتملة: حدود تقريبية تُذكرها بعض التحليلات هي حوالي 3,970 – 3,910 – 3,850 دولار للأونصة. (DailyForex)
مستويات المقاومة المحتملة: تتراوح بين 4,080 – 4,140 – 4,200 دولار بناءً على الأسعار العلوية التي شهدتها السوق مؤخرًا. (DailyForex)
التوقعات المستقبلية
في الأجل القصير، من الممكن أن يشهد الذهب تذبذبًا وتصحيحًا جزئيًا، خاصة إذا جاءت بيانات إيجابية بشأن الاقتصاد الأميركي أو إشارات أكثر تشددًا من الفيدرالي.
في الأجل المتوسط، إذا استمر الطلب من البنوك المركزية، وانخفضت الفائدة الفعلية، وبرزت ضغوط تضخمية، يمكن أن يعاود المعدن الصعود، لكن ذلك يحتاج توازناً دقيقاً بين السياسات الاقتصادية والتوقعات.
خلاصة
عند السعر الحالي 4,018.02 دولار، يجد الذهب نفسه في مفترق طريق بين الزخم الصاعد ومدى التصحيح المحتمل. الدوافع من التوترات الجيوسياسية، ضعف الدولار، وشراء البنوك المركزية تدعم السيناريو الإيجابي، بينما التحديات تأتي من سياسات الفيدرالي، البيانات الاقتصادية القوية، والعوائد الحقيقية المرتفعة.
للمستثمر أو المهتم بـ سوق الذهب، تبنّي نظرة متوازنة – مراقبة المتغيرات الكبرى (الفيدرالي، البيانات، السيولة) واستخدام مستويات الدعم والمقاومة كإشارات – يمكن أن يساعد على الفهم أكثر من الاعتماد على توقع وحيد.
اكتشاف المزيد من Dhbna
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

